الأحد، 26 يونيو 2011

الشرق الاوسط قبل وبعد الحرب العالمية الاولى

الفصل السادس

والشرق الاوسط هنا هو البلاد الممتدة من شمال افريقيا الى شبه الجزيرة العربية الى بلاد ما بين النهرين الى بلاد الاناضول والشام والمشرق العربي شرقي البحر الابيض المتوسط امتدادا الى بلاد كنعان فلسطين والاردن.
أسسس العثمانيون أقوى دولة اسلامية في العصر الحديث، استطاعت دحر الصليبيين، والسيطرة على بلاد كنعان وشبه الجزيرة العربية وشمالي افريقيا. واستولوا على بلاد اوروبا الوسطى امتدادا الى البلقان، كما اجتاحت جيوش الدولة العلية جنوب ايطاليا واخذوا قبرص وحاصروا فيينا عاصمة النمسا. وسيطرت اساطيلها على طرق التجارة البحرية في البحر الاسود والبحر الابيض والبحر الاحمر امتدادا الى الخليج العربي الفارسي وبحر الهند.
الا ان ضعف الدولة العثمانية في أواخر عهدها جعل الدول الأوروبية تتآمر لاستباحتها امنيا وسياسيا، فأثاروا ضدها الحركات السياسية والدينية والعرقية اضافة الى التمردات الداخلية التي أسعرتها ضد الدولة العثمانية، التي وصل ضعفها الى أوجّه حين أعلن محمد علي باشا والي مصر انفصال مصر واستقلالها عن الدولة العلية. ثم جاءت الحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية لتكرّس انفصالا دينيا وتلغي خلافة السلاطين العثمانيين.
أمّا في الداخل فقد برزت جمعية تركيا الفتاة، التي استطاعت أن تضع لها قدمًا في الجيش العثماني، وكان لها جناح عسكري عرف بتنظيم الاتحاد العثماني  وجناح مدني هو الانتظام والترقي. عرفت هذه الجمعية فيما بعد باسم "الاتحاد والترقي"، وتمتعت بنفوذ قوي حيث انضم إليها الكثير من ضباط الجيش المسيطر على الآستانة، وكذلك الفرق الباقية في أوروبا. فرض الإتحاديون على السلطان إعلان دستور جديد للبلاد وسيطروا على معظم مقاعد المجالس النيابية، وعندما وجدوا أن السلطان سيكون عائقًا في تحقيق أهدافهم، عزلوه.
في ذلك الوقت سيطرت الإمبراطورية النمساوية المجرية على البوسنة والهرسك، ثم هاجمت إيطاليا ليبيا، آخر الممتلكات العثمانية الفعلية في شمال أفريقيا. ثم جاءت حرب البلقان الأولى ففقدت فيها الدولة العثمانية ما تبقى لها من ممتلكات في البلقان عدا تراقيا الشرقية ومدينة أدرنة.
في تلك الفترة ظهرت النزعة التركية الطورانية بقوة وعنف، وسعى حزب الاتحاد والترقي إلى تتريك الشعوب غير التركية تحت ظل الدولة العثمانية، مثل العرب والشركس والأكراد والأرمن. وفي سنة 1913م عقد الوطنيون العرب مؤتمرًا في باريس، واتخذوا مقررات أكدوا فيها على رغبة العرب في الاحتفاظ بوحدة الدولة العثمانية بشرط أن تعترف الحكومة بحقوقهم، كون العرب أكبر الشركاء في الدولة.
عندما قرر محمد علي أن يجتاح بلاد الشام بالقوة عام 1831، وجّه جيشه إلى فلسطين وأخضعها، ثم زحف على مدن الساحل اللبناني وفتحها الواحدة تلو الأخرى، وسرعان ما لحقت بها سوريا الوسطى والشمالية، وامتد زحف الجيش المصري إلى الأناضول،  فسارعت روسيا لنجدة الآستانة والدفاع عنها، وخشيت بريطانيا وفرنسا من امتداد النفوذ الروسي وتوسطت للصلح مع محمد علي، حيث أقر له السلطان بولاية مصر وجزيرة كريت وفلسطين ولبنان وأضنة. وفي غضون ذلك توسّع النفوذ الروسي في الدولة خصوصًا بعد أن أبرم السلطان معاهدة مع روسيا تعهدت فيها الأخيرة بالدفاع عن الدولة العثمانية لو هاجمها المصريون أو غيرهم.
اجتمعت كل من بريطانيا وروسيا وبروسيا والنمسا وعقدوا اتفاقية صدّق عليها العثمانيون، تنص على بقاء ولاية مصر وراثية في عائلة محمد علي، وولاية عكا مدى حياته، فرفض محمد علي ذلك وطرد المندوبين الأوروبيين والمندوب العثماني من مصر، وبناءً على ذلك هاجمت البوارج الحربية البريطانية والنمساوية والعثمانية مدن الساحل الشامي واستطاعت أن تحرز انتصارًا كبيرًا على الجيوش المصرية التي كانت تحت قيادة إبراهيم باشا، وأجبرته على العودة إلى مصر والانكماش فيها، وبذلك عادت الشام إلى ربوع الدولة العثمانية، وأصبحت سيادة الدولة على مصر سيادةً اسميّة.
توصلت الدول الأوروبية الكبرى، بعد انتهاء الأزمة العثمانية - المصرية، إلى عقد اتفاقية جماعية مع الدولة العثمانية، أُطلق عليها تسمية "معاهدة المضائق" أو "اتفاقية لندن الخاصة بالمضائق"، وقد أرست هذه الاتفاقية نظامًا للمضائق العثمانية ظل مطبقًا بدون إدخال تعديلات جوهرية عليه حتى قيام الحرب العالمية الأولى.
في أواخر عهد السلطان عبد المجيد الأول، نشبت عام 1860 فتنة طائفية كبرى في الشام، وتحديدًا في دمشق وسهل البقاع وجبل لبنان بين المسلمين والمسيحيين عمومًا، والدروز والموارنة خصوصًا، فوقعت مذابح مؤلمة، وكان ممثلي بريطانيا وفرنسا يشجعون الفريقين على الانتقام ويساعدونهم على الثأر، فخشي السلطان أن تؤدي هذه الفتنة إلى تدخل الدول الأجنبية العسكري، فأمر بإخمادها حالاً. وكانت الدول الأوروبية قد ضغطت على السلطان وحملته على القبول بتشكيل لجنة دولية يوكل إليها أمر إعادة الهدوء إلى جبل لبنان ودمشق، وتصفية ذيول الفتنة.
قدّمت الدول الأوروبية الكبرى لائحة للدولة العثمانية تقضي بتحسين الأحوال المعيشية لرعاياها المسيحيين، وفرضوا مراقبة اوروبية لتنفيذ إجراءات التحسين. فرفضت الدولة اللائحة؛ لأن هذا يعتبر تدخلاً صريحًا في شؤونها. استغلت روسيا هذا الرفض واعتبرته سببًا كافيًا للحرب، وفي هذه المرة أطلقت أوروبا العنان لروسيا لتتصرف كيفما تشاء مع العثمانيين، فاحتلت الأفلاق والبغدان وبلغاريا ووصلت أدرنة وأصبحت على بعد 50 كيلومترًا فقط من الآستانة، كذلك دخلت جيوشها الأناضول، وعادت الصرب والجبل الأسود لتعلن الحرب على الدولة العثمانية، فاضطرت الأخيرة إلى طلب الصلح، وأبرمت معاهدة سان ستيفانو مع روسيا عام 1877، التي اعترفت فيها باستقلال الصرب والجبل الأسود والأفلاق والبغدان وبلغاريا، ثمّ تمّ تعديل هذه المعاهدة في مؤتمر عُقد في برلين تمّ بموجبه سلخ المزيد من الأراضي عن الدولة العثمانية.
في تلك الفترة برز حدثان كبيران ألقيا بتقلهما على الدولة العلية بشكل خاص والمنطقة بأسرها عموما، هما الأزمة الأرمنية وقيام الحركة الصهيونية.
فقد عملت البعثات التبشيرية الأوروبية والأمريكية على إذكاء الشعور القومي الأرمني، وفي الوقت نفسه اعتقدت الدوائر الحاكمة في الآستانة أن بعض الأرمن يعملون كعملاء لروسيا وبريطانيا، وساورها الشكوك حول ولائهم، ومن ثم نظرت إليهم على أنهم خطر يهدد كيان الدولة ومستقبلها وأمنها. ولم تلبث أن عمّت الاضطرابات أنحاء أرمينيا، وأخذ الثوّار يهاجمون الموظفين الحكوميين العثمانيين، وقاموا ببضعة مجازر في بعض القرى الإسلامية الكردية، فقام العثمانيون بالرد على ثورة الأرمن بأن أرسلوا جيشًا مؤلفًا بمعظمه من الأكراد إلى مناطق الثورة حيث دمّروا العديد من القرى الأرمنية وقتلوا كثيرًا من الثوّار ومن ساندهم، فيما أصبح يُعرف باسم "المجازر الحميدية".
أما الحركة الصهيونية، فنشأت بقيادة ثيودور هرتزل عام 1897، ودعت إلى إنشاء وطن قومي ليهود العالم في فلسطين الخاضعة للدولة العثمانية وتشجيع اليهود على الهجرة إليها، فأصدر السلطان عبد الحميد فرمانًا يمنع هجرة اليهود إلى الأراضي المقدسة، لكنه اضطر في نهاية المطاف إلى التهاون معها تحت ضغط الدول الأوروبية، وخاصةً بريطانيا.

الحرب العالمية الاولى

أسست ألمانيا مكتب استخبارات الشرق الذي تولى متابعة أخبار مناطق بلاد فارس وأفغانستان، وبتحالفها مع قوات المحور سعت الامبراطورية العثمانية إلى فرض سيطرتها على مناطق بلاد فارس وطاجكستان وصولاً إلى القارة الهندية.
في 13 نوفمبر 1918 أدى احتلال اسطنبول إلى إشعال حرب تحرير تركيا بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، وفي 1923 م تمت معاهدة لوزان التي قضت باستقلال تركيا وتوزيع إرث الامبراطورية العثمانية الذي كانت قد تم الاتفاق عليه سرياً منذ عام 1915 عبر اتفاقية سايكس بيكو والتي أفضت إلى حقبة الاستعمار الأوروبي الحديث في الشرق الأوسط.
انطلقت شرارة الحرب الأولى في 28 يونيو عام 1914م عندما اغتال أحد القوميين الصرب، الأرشيدوق فرانز فرديناند وليّ عهد النمساو المجر في مدينة سراييڤو في البوسنة الخاضعة للنمسا. فاعتبرت الإمبراطورية النمساوية المجرية صربيا مسؤولة عن هذا الاغتيال، فتدخلت روسيا لدعمها مدعومة من فرنسا وتحركت ألمانيا ضدهما، وما لبثت أن دخلت بريطانيا الحرب بعد ذلك بفترة قليلة، ومن ثم تشكلت الأحلاف، فدخلت الدولة العثمانية الحرب إلى جانب معسكر دول المحور، أي ألمانيا والنمسا وبلغاريا. وفي 10 أغسطس سنة 1914م، دخلت الدولة العثمانية الحرب بشكل فعليّ، بعد أن سمحت لبارجتين ألمانيتين كانتا تطوفان البحر المتوسط، بعبور مضيق الدردنيل نحو البحر الأسود هربًا من مطاردة السفن البريطانية. وأعلن الصدر الأعظم إلغاء الامتيارات الأجنبية، ملبيًا بذلك إحدى المطالب الرئيسية للقوميين الأتراك، ثم أمر بإغلاق المضائق بوجه الملاحة التجارية، كما ألغى مكاتب البريد الأجنبية وجميع السلطات القضائية غير العثمانية. بعثت الانتصارات الألمانية الخاطفة على الجبهة الروسية الأمل في نفوس الإتحاديين، وأملوا استعادة الأراضي العثمانية المفقودة.
بيد ان روسيا أعلنت الحرب على الدولة العثمانية بالتحالف مع بريطانيا وفرنسا. وخاضت الجيوش العثمانية الحرب على جبهات متعددة ومُنيت بهزائم فادحة ، فنزل البريطانيون في الفاو على الخليج العربي واستولوا على العراق، كما حققوا انتصارات في اليمن وشمالي افريقيا وبددوا الاسطول العثماني في البحر الاحمر. وقام أسطول الحلفاء بمهاجمة مضيق الدردنيل في خطوة للاستيلاء على الآستانة وإخراج الدولة العثمانية من الحرب، وإمداد الجبهة الروسية،  لكن هذا الأسطول الضخم عجز عن اجتياز المضيق وهزم العثمانيون طاقمه هزيمة كبيرة في معركة بريّة، كانت النجاح الوحيد لهم في مقابل سلسلة من الاخفاقات، وبرز في هذه المعركة القائد مصطفى كمال.
بعد فشل الحملة العثمانية على مصر، جرت اتصالات سريّة بين البريطانيين في مصر والشريف حسين بن علي والي الحجاز، وبعض الزعماء العرب، وتمّ الاتفاق على أن يثور العرب على الأتراك وينضموا إلى الحلفاء مقابل وعد من هؤلاء بمنح العرب الاستقلال وإعادة الخلافة إليهم. وتنفيذًا لهذا الاتفاق أعلن الشريف حسين في يونيو سنة 1916م الثورة العربية على الأتراك، فأخرجهم من الحجاز وأرسل قوّاته شمالاً بقيادة ولديه فيصل وعبد الله لتشارك القوات البريطانية في السيطرة على بلاد الشام.
وفي غضون ذلك سُحقت المقاومة البلغارية في البلقان، مما أرغم حكومة صوفيا على طلب الهدنة، فأدرك الباب العالي خطورة الموقف، لأن الحرب أضحت قريبة من الأراضي التركية، ويمكن للعدو أن يتغلغل بحريّة في تراقيا الشرقية ويزحف حتى أبواب الآستانة، فأبرم العثمانيون معاهدة "مودروس" مع الحلفاء، خرجوا بموجبها من الحرب.
وبعد مرور شهر على توقيع هدنة مودروس، دخلت البحرية البريطانية والفرنسية والإيطالية ثم الأمريكية إلى القرن الذهبي، وأنزلت قواتها في الآستانة التي حوّلتها إلى قاعدة لنشاط الحلفاء في المنطقة كلها.
سيطر الحلفاء على موانئ البحر الأسود كلها، واقتسموا الأراضي التركية، فاحتل الفرنسيون مرسين وأضنة، والإيطاليون أنطاكية وكوشا داسي وقونية، واحتل اليونانيون القسم الغربي من الأناضول، بالإضافة إلى تراقيا.
رفض الأتراك الخضوع للاحتلال والقبول بمشاريعه، فقامت ثورة وطنية في جميع أنحاء البلاد وتمكّن مصطفى كمال بعد جهود مضنية واصطدامات شديدة مع اليونانيين، من الانتصارواستعادة كامل الأراضي التي احتلوها، وفرض على الحلفاء توقيع هدنة جديدة اعترفت فيها اليونان بانتصارات تركيا، فأضحى مصطفى كمال بطلاً قوميًا، وبرز في الواجهة السياسية وتنازل السلطان عن العرش واعتزل الحياة السياسية.
بعد أن أصبح مصطفى كمال سيد الموقف، وقّع معاهدة لوزان مع الحلفاء عام 1923 التي تنازل بمقتضاها عن باقي الأراضي العثمانية غير التركية، وجرّد السلطان من السلطة الزمنية ثم ألغى الخلافة سنة 1924 وطرد عبد المجيد من البلاد، وبهذا سقطت الدولة العثمانية فعليًا بعد أن استمرت لما يقرب من 600 سنة. وانهارت معها الخلافة الإسلامية بعد أن استمرت ما يزيد عن ألف سنة.
كما أن هذه المعاهدة قادت الى اعتراف دولي بجمهورية تركيا التي حلّت محل الدولة العثمانية، وأدّت الى تسوية التراس الشرقي وهو الجزء الاوروبي من تركيا، وحدّدت حدد عدة بلدان منها اليونان وتركيا وبلغاريا والمشرق العربي. وأعيد ترسيم الحدود مع سوريا فضمّت تركيا أقاليم سوريا الشمالية وفيها مرسين وطرسوس(طرطوس) وكيليكية وأضنة وعنتاب وكلس ومرعش واورفة وحران وديار بكر وماردين ونصيبين وجزيرة ابن عمر.
شهدت المنطقة خمس حملات شنتها قوات الحلفاء على أراضي الامبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الثانية هي حملة سيناء وفلسطين وحملة بلاد الرافدين وحملة القوقاز وحملة بلاد فارس وحملة جاليبولي، كما شهدت حملات وعمليات عسكرية ثانوية في عدن والأجزاء الجنوبية من الأراضي العربية.
التف العرب حول الشريف الحسين بن علي شريف مكة الذي تراوده آمال في إنشاء دولة عربية كبرى. ودخلت بريطانية في مفاوضات سرية معه أوضح فيها الشريف ما يشترطه العرب لدخول الحرب إلى جانب بريطانيا وتتلخص في استقلال البلدان العربية القائمة على الساحل الشرقي لللبحر الأبيض المتوسط وإقامة دولة عربية كبرى تشمل مختلف أرجاء الوطن العربي باستثناء مصر والشمال الإفريقي وعلى الرغم من الاختلاف مع مكماهون حول حدود الدولة العربية الموعودة دخل العرب الحرب إلى جانب بريطانيا.
بدأت الثورة العربية الكبرى في 10 يونيو 1916 بإعلان الشريف حسين الجهاد المقدس والثورة على العثمانيين بمساعدة ضابط الاستخبارات البريطانية توماس إدوارد لورنس، واستطاع السيطرة على الحجاز بمساعدة الإنجليز ثم تقدم ابنه فيصل بن حسين نحو الشام ووصل بمساعدة الإنجليز إلى دمشق حيث خرج العثمانيون منها وأعلن فيها قيام الحكومة العربية الموالية لوالده الذي كان قد أعلن نفسه ملكا على العرب غير أن الحلفاء لم يعترفوا به إلا ملكا على الحجاز وشرق الأردن.
وعلى الرغم من تعهدات بريطانيا للعرب بقيام دولة عربية كبرى فقد أجرت هذه الدولة مفاوضات واتفاقيات سرية مع فرنسا وروسيا تناولت اقتسام الأملاك العثمانية بما فيها البلاد العربية ثم انفردت بريطانيا وفرنسا في اتفاقية سرية عرفت باتفاقية سايكس بيكو 1916 التي فضح أمرها بعد الثورة البلشفية في روسيا سنة 1917 وفي السنة نفسها غدرت بريطانيا بالعرب مرة أخرى واعدين زعماء الحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين من خلال ما عرف بوعد بلفور الصادر في 2 نوفمبر 1917.
أسفرت الحرب العالمية الأولى عن سقوط الإمبراطورية العثمانية عام 1341هـ-1924م وعن خسائر مادية وبشرية جسيمة وعن تراجع الدور الرائد لأوروبا في توجيه سياسة العالم. أما أهم نتيجة لهذه الحرب فقد تمثلت في قيام سلام منقوص يحتوي على جميع العناصر التي من شأنها إشعال الحرب العالمية الثانية عام 1939.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية المستفيدة الأولى على أساس أنها الدائنة الأولى لأوروبا قبل الحرب وخلالها. فقد جمعت الولايات المتحدة بعد الحرب نتيجة تسديد أوروبا لديونها 45% من احتياطي الذهب في العالم وأصبحت بذلك أول دائن في العالم.
في 28 يونيو 1919 وقع الألمان على معاهدة فرساي مع الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى بعد مفاوضات دامت ستة أشهر، وتم تعديل المعاهدة في 10 يناير 1920 لتتضمّن الاعتراف الألماني بمسؤولية الحرب  وتعويضها الأطراف المتضرّرة ماليًا.
وتمخّضت الاتفاقية عن تأسيس عصبة الأمم بدعم أميركي، التي يرجع الهدف إلى تأسيسها الحيلولة دون وقوع صراع مسلّح بين الدول كالذي حدث في الحرب العالمية الأولى ونزع الفتيل من الصراعات الدولية.
وافقت عصبة الامم على المطالب الاستعمارية لكل من بريطانيا وفرنسا وأقرت بشرعية انتدابها على دول المشرق.
بدأ التطبيق الفعلي لمضمون اتفاقية سايكس بيكو سنة 1918 والمعارك لم تنته بعد وذلك حين قسم الجنرال اللنبي قائد الجيوش الحليفة في الشرق المناطق العربية إلى ثلاث: واحدة بإدارة فرنسية (الساحل) وواحدة بإدارة عربية (الداخل) والأخيرة بإدارة بريطانية.
لكن التغطية الدولية لهذه الاتفاقية جاءت عبر مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919 فقد طرح المؤتمر مفهوما جديدا للاستعمار هو الانتداب الذي اقترحه الرئيس الأمريكي ويلسون ورئيس وزراء جنوب أفريقيا الجنرال سمطس وهو ينص على تولي دولة كبرى شئون الدولة التي لا عهد لها بالحكم والتي خضعت لفترة طويلة لإحدى الإمبراطوريات المتداعية كالدولة العثمانية فتساعدها الدولة المنتدبة حتى تصبح قادرة على إدارة شئونها بنفسها.
بيد ان المؤتمر السوري العام رفض اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور وأعلن قيام المملكة السورية ونصب الأمير فيصل ملكا عليها. فانعقد المجلس الأعلى للحلفاء في مدينة سان ريمو الإيطالية في أبريل 1920 وقرر ردا على المؤتمر السوري تطبيق اتفاقية سايكس بيكو التي تقضي بوضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي والعراق وفلسطين وشرق الأردن تحت الانتداب الإنجليزي وتعهد مؤتمر سان ريمو كذلك بالعمل على تطبيق وعد بلفور.
كما كانت بريطانيا مرتبطة مع الإمارات العربية الواقعة على سواحل الخليج العربي وعمان بمعاهدات حماية. كذلك فرضت بريطانيا حمايتها على مصر والسودان وسيطرت إيطاليا على ليبيا واحتلت فرنسا ما تبقى من المغربي العربي وكرست سيطرتها على كل من تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا والصومال.
كانت آثار الحرب الاولى أعمق على الدول التي كانت تحت الحكم العثماني، بعد أن تحقق ما كانت تصبو إليه الدول الأوروبية بتقسيم الغنيمة في تلك البلاد والسيطرة على مقدراتها وثرواتها وخيراتها وشعوبها وحكامها.
تم تقسيم المنطقة التي ظهر فيها اسم الهلال الخصيب، بموجب اتفاقية سايكس بيكو، فحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال (سوريا ولبنان) ومنطقة الموصل في العراق. أما بريطانيا فأمتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعا بالإتجاه شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سوريا. كما تقرر أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا. على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا لبريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الاسكندرونة الذي كان سيقع في حوزتها.
وعقدت في 1923 معاهدة لوزان لتعديل الحدود التي أقرت في معاهدة سيفر. تم بموجبها التنازل عن الأقاليم السورية الشمالية لتركيا الأتاتوركية إضافة إلى بعض المناطق التي كانت قد أعطيت لليونان في المعاهدة السابقة.
قسمت هذه الاتفاقية وما تبعها سوريا الكبرى أو المشرق العربي إلى دول وكيانات سياسية كرست الحدود المرسومة بموجب هذه الاتفاقية والاتفاقيات الناجمة عنها وهي:
العراق، استقل عام 1932
منطقة الانتداب الفرنسي على سوريا:
سوريا، استقلت فعلياً عام 1946، لبنان، استقل ككيان مستقل عام 1943. أما الأقاليم السورية الشمالية فقد ضمت لتركيا
منطقة الانتداب البريطاني على فلسطين: الأردن، استقل ككيان مستقل عام 1946 (كانت منطقة حكم ذاتي منذ 1922) -  فلسطين، انتهى مفعول صك انتداب عصبة الأمم على فلسطين يوم 14 أيار 1948 وجلى البريطانيون عنها. لكن في اليوم التالي أعلن قيام إسرائيل فوق أجزاء كبيرة من حدود الانتداب البريطاني على فلسطين وبدأ الصراع العربي الإسرائيلي، حيث في 1949 (إثر حرب 1948 وبعد إلغاء الانتداب البريطاني) قسمت فلسطين إلى ثلاث وحدات سياسية: إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة.
سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات: