الفصل الثالث
عندما غزى "جوشوا" منطقة "كنعان بعد موت النبي موسى، ودمرّ مدينة الخليل، واستطاع أن يقود الاسرائيليين في سلسلة من الانتصارات والسيطرة على قسم كبير من أرض "كنعان"، التي استوطنها بنو اسرائيل الى أن جاء النبي داود وأنشأ هناك مملكة اسرائيل.
يعتبر اليهود داود ملك اسرائيل والشعب اليهودي، كما أنه شخصية رائدة لدى المسيحيين والمسلمين.
ويقول المؤرخون ان مملكة اسرائيل التي كانت في شمال أرض كنعان تختلف كليا عن المملكة اليهودية التي كانت في جنوب كنعان.
كانت مملكة اسرائيل نتيجة توحّد سياسي وعسكري للفرق الاثنتي عشر التي تألفّت قبل أن يتوفّى النبي موسى، وكانت تقع على مساحة تتوافق تقريبا مع مساحة الاراضي الفلسطينية المحتلة الآن، بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة، وكان الاسرائيليون يحاولون بشتى الوسائل طرد الفلسطينيين الذين هم الاهل الاصليون لتلك المناطق.
الاّ أن خلاف اليهود فيما بينهم، ومقاومة سكان المنطقة الاصليين لهم، أرغمهم على الارتضاء بمساحة مقلصّة لمملكة اسرائيل، مستقلّة عن المملكة اليهودية وعن باقي الممالك المجاورة حتى عام 720 قبل الميلاد، عندما غزى الآشوريون كنعان وحلّوا مملكة اسرائيل وطردوا اليهود منها. فبقيت المملكة اليهودية هي المملكة الوحيدة لليهود في منطقة كنعان والتي ارادها الآشوريون ان تبقى للاشراف على تجارة الزيتون التي كانت تعتبر من أهم الثروات في ذلك العصر.
بيد ان الحرب المدمرة بين المملكة الآشورية وبين كل من المملكة المصرية والبابلية الجديدة، والتي كانت من ضمن صراع عنيف للاستيلاء على الارض الفلسطينية أدّت الى تدمير المملكة اليهودية بشكل كامل لاحقا في عام 582 قبل الميلاد. وكانت مدينة "شيخيم" هي العاصمة الاولى ثم مدينة "طيرزة" التي هي الآن بلدة صغيرة بالقرب من مدينة "نابلس" تدعى "تل الفرح".
أمّا الملك سليمان فكان ثالث ملك من ملوك المملكة الموحدّة وآخر ملوك مملكة اسرائيل قبل ان تنفصل المملكتان. وقد أعطى الانجيل أسمى درجات التقدير الى الملك سليمان لأنه أشاد المعبد الاول في مدينة القدس، ويعتبر اليهود هذا المعبد المخزن الذي يحتوي صندوق العهد الذي أقامه الله مع نبيه موسى، وجاء اسمه في القرآن "تابوت السكينة".
وصندوق العهد هو وصف توراتي لصندوق يحتوي على ألواح موسى التي نقش الله عليها الوصايا العشر لبني اسرائيل. ووفقا للمؤرخين اليهود فإن هذا الصندوق يحتوي أيضا على عصا هارون والتي يعتبرونها بأهمية عصا موسى لأنها كان فيها قوى اعجازية ساهمت بحدوث الكوارث على أهل مصر قبل ان ينزح موسى منها ومعه بني اسرائيل.
كما يزعم اليهود ان الصندوق يحتوي ايضا على جرّة فيها طعام "المنّ" الذي انزله الله على موسى وقومه اثناء قطعهم صحراء سيناء. كما اتى اقرآن على ذكر هذا النوع من الطعام مع نوع آخر من الطعام أسماهما " المن والسلوى".
وعندما احتل الآشوريون منطقة كنعان، نهضت مدينة القدس حيث ان عددا كبيرا من سكان المملكة اليهودية الشمالية لجأوا اليها وأقاموا فيها. وانتهت حقبة المعبد الاول في عام 586 قبل الميلاد، عندما هزم البابليون اليهود ودخلوا مدينة القدس ودمّروا المعبد.
وفي عام 538 قبل الميلاد أي بعد 50 عاما من سلطة بابل في المنطقة، استطاع الملك الفارسي قورش العظيم أن يسيطر على مدينة القدس ودعا اليهود الى اعادة بناء الهيكل حيث
تم بناءه سنة 516 قبل الميلاد في عهد الملك الفارسي داريوس بعد 70 عاما من تدمير الهبكل الاول.
ونهضت مدينة القدس لتحتل مكانتها كمركز للعبادة وعاصمة مملكة اليهود، ولكنها سرعان ما عادت لتكون تحت سيطرة الاسكندر المقدوني عندما هزم المملكة الفارسية، ومن بعده بطليموس الخامس الذي خسرها واستقرت بيد السلوقيين في زمن ملكهم انطيوخس.
وفي عام 63 قبل الميلاد وقعت القدس تحت حكم بومباي امبراطور الروم الذي ضم مملكة اليهود الى الامبراطورية الرومانية وعيّن الملك اليهودي هيرودس واليا تابعا لها.
وفي القرن الرابع قبل الميلاد، عيّن قيصر الروم أغسطس آرخليس ابن هيرودس حاكما على السامرا ويهودا وآدوم الى القرن السادس بعد الميلاد عندمل أخضعت روما اقليم يهودا ليكون تحت الحكم المباشر لها في ظل التعداد الضريبي الذي كان يدعى "تعداد قورينيوس"، والذي اعتمدته روما لاحصاء سكان أقليمي سوريا وليديا الفارسية بغية اخضاعهما للنظام الضريبي المباشر للامبراطورية الرومانية.
عيّنت روما "بوبليس قورينيوس" حاكما على سوريا بعد نفي هيرودس آخيليس، وفرضت حكما رومانيا مباشرا على ما سمّي بإقليم "آيوديا" الذي كان خليطا من سامراء ويهودا وآدوم.
يربط انجيل لوقا بين مولد المسيح والاحصاء الضريبي الذي اعتمدته روما، حيث ان الافراد كانوا يضطرون الى العودة الى مدنهم الاّم لتثبيت سجلاّت ميلادهم. لذلك سافرت مريم مع ابنها عيسى ويوسف النجار من الناصرة في الجليل الى بيت لحم وهي المدينة التي ولد فيها عيسى.
عندما غزا الرومان الساحل الشرقي للبحر المتوسط قبل مولد عيسى، استقرّوا على اسم "فلستينيا" وأطلقوه على كل المنطقة الجنوبية لارض كنعان بما فيها الارض المحتلة من قبل اليهود والاراضي المجاورة. وتطوّر اسم "فلستينيا" لاحقا ليصبح "باليستاين" باللغة الانجليزية و"فلسطين" باللغة العربية. وكانت فلسطين في عصر عيسى المسيح جزءا من الامبراطورية الرومانية التي كانت تسيطر على مناطق عديدة وبوسائل مختلفة.
ففي الشرق ( الشرق الادنى، سوريا، فلسطين ومصر)، كانت القطاعات تحت حكم ملوك اصدقاء وحلفاء لروما، وكان يطلق على هؤلاء " ملوك عملاء أو دمى" أو تحت حكم حكّام يدعمهم جيش روما.
وكانت مدينة انطاكيا الواقعة على ضفاف نهر العاصي الممتد من لبنان الى تركيا مرورا بسوريا، والتي بناها احد قادة اسكندر المقدوني ويدعى "سيليكوس ناكتار" توازي مدينة الاسكندرية كمدينة رئيسية في الشرق الادنى، وهي تعتبر مهد المسيحية التي ليست من أصول يهودية Gentile Christianity.
بدأت الهجرة من بلاد الرفدين وسوريا الى مدينة انطاكية بشكل متجانس حسب المؤرخ "ستاربو" في القرن الاول قبل الميلاد، بعد أن أصبحت انطاكية العاصمة الجديدة للامبراطورية البابلية.
أما الجزء الغربي من الامبراطورية الرومانية، فكان ينطوي على انواع مختلفة من الشعوب السامية، كانوا يتصارعون على السلطة التي لم تثبت لفئة معينة. وكان ملوك وحكام روما لاحقا من فروع مختلفة لهذه الشعوب السامية التي انتقلت لتقطن في الجزء الغربي للامبراطورية.
وكان العرب قد حلّوا في بلاد الرافدين في القرن الاول للميلاد، مكان سكان المنطقة الجنوبية واستملكوا ما يوازي ثلث اراضي المنطقة.
يعتبر المسيحيون "فلسطين" هي الارض المقدسة لانها شهدت مولد المسيح وحياته. كما انها مقدسة لليهود والمسلمين لاسباب مشابهة ومختلفة.
تقع "فلسطين" القديمة في مركز جغرافي وثقافي مميز في العالم، ويحيط بها حضارات عريقة ودول كان لها تأثيرها في تاريخ الامم.
وفي زمن مولد المسيح، كان اليهود يفهمون العالم: عالم يهودي وعالم غير يهودي. وقد جهدوا عبر التاريخ ليفصلوا انفسهم كليا عن العالم الغير يهودي. وربما كان هذا هو السبب الرئيس الذي حذا سكان الناصرة اليهود برفض عيسى رفضا قاطعا، عندما أعلن انه جاء ليكمل النبوءة.
وقد ورد في انجيل يوحنا 7:1-9 : يتنقل عيسى حول الجليل ولكنه يتجنب يهودا، لأن اليهود ومملكتهم يهودا كانوا يتحيّنون الفرص لقتله.
أنشأ سكّان يهودا وحدة اجتماعية مدنية سياسية، ضد عيسى وتآمروا ليجدوا طريقة للتخلص منه ومن تعاليمه. وهذا ربما لانهم كانوا يخشون ان يقضي المسيح او ملك اليهود على سلطتهم ونفوذهم.
وكان اليهود يضّطهدون المسيحيين الاوائل بسبب ايمانهم الجديد الذي نشأ أصلا من فروع الدين اليهودي وجاءت تعاليم المسيح متممة لهذا الدين.
شاركت الامبراطورية الرومانية اليهود باضهادهم للمسيحيين، ربما بسبب اعتمادهم على اليهود بتنظيم زراعة وتجارة الزيتون.
ولأن روما كانت تسيطر على معظم اراضي المنطقة التي توزع عليها المسيحيون فقد سهل كشفهم واعتقالهم. واستمر هذا الاضطهاد من القرن الاول بعد الميلاد الى القرن الرابع عندما شرّع قيصر روما قسطنطين الدين الجديد واعترف به.
وفي القرن 41 بعد الميلاد استولى آغريبا على مناطق فيليب والعنتيب، في الشرق وحصل على سلطة نائب عام يهودا، واعاد نفوذ هيرودس الذي كان متعطشا لتنصيب نفسه ملكا لليهود وبالغ في ملاحقة اتباع المسيح بغية سجنهم أو قتلهم، وقد نجا كل من بطرس وجايمس من الموت، وفر بقية الرسل من البلاد.
بدأت المسيحية بالانتشار من مدينة القدس ومن ثم الى كل الشرق الادنى وارمينيا والحبشة حتى وصلت الى عقر دار الامبراطورية الرومانية. ونمت في الاقليم الفارسي تحت تسميات مختلفة: الكنيسة الآشورية، الكنيسة الفارسية وكنيسة شرق سوريا.
وقبل ان ينتهي القرن الاول بعد الميلاد كانت المسيحية في معظم مناطق بلاد الرافدين حتى بلاد الهند.
وفي القرن الثاني وصلت الى أفغانستان وآسيا الوسطى في القرن الخامس للميلاد. ثم وصلت في القرن السابع للميلاد الى الصين بواسطة مبشرين من بلاد الفرس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق